تقوم العلاقات الأميركية الصينية على التنافس والشد والجذب، الذي وصل إلى حدٍّ جعل الكثير يذهبون إلى القول بأن هناك «حربًا باردة» جديدة بين البلدين.

وتأتي أزمة المنطاد الصيني لتزيد من القلق الأميركي نحو الصين، والذي لم يؤججه المنطاد فقط، بل أججه عمومًا الصعود الصيني الكبير في مجال التقنيات وبحوث الفضاء. فبحسب تقديرات أكاديمية أميركية، فإن عدد الحاصلين على شهادة الدكتوراه في تخصص العلوم بالصين سيصل في سنة 2025 إلى ضعف عدد الخريجين في الولايات المتحدة.

وكالعادة، جاءت التصريحات الرسمية من البلدين بين الاتهام والنفي، ففي الوقت الذي أكدت فيه الصين أن المنطاد كان مخصصًا لأغراض بحثية متعلقة بالمناخ، وأنه دخل على نحو غير متعمد إلى الأجواء الأميركية بسبب «قوة قاهرة» أدت إلى انحرافه عن المسار المحدد له، وأن الولايات المتحدة أرسلت من قبل مناطيد للمراقبة فوق أراضيها، 10 مرات على الأقل منذ مايو الماضي، فإن واشنطن رفضت المبررات الصينية، وأكدت أن «المنطاد كان لأغراض التجسس»، وهو «جزء من عملية مراقبة شاملة يقوم بها الصينيون عبر خمس قارات». كما أعادت أزمة المنطاد السجال مرة أخرى المتعلق بالصراع على الفضاء بين واشنطن وبكين، وجدوى المناطيد في حسم مثل هذا الصراع، حيث تتفوق المناطيد على الأقمار الصناعية في قربها أكثر من الأرض، إذ تحلق على ارتفاع 30 كيلومترًا ما يجعلها أقرب للاتصال والرصد، كما أن تكلفتها أقل بكثير من تكلفة الأقمار الصناعية، فضلاً عن سهولة إعادتها للأرض لإصلاحها وتطويرها.

علاوة على ذلك، كان لهذا الحادث انعكاساته على المواجهات الحزبية بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين»، حيث اتهم «الجمهوريون» الرئيس الأميركي بايدن بالضعف وعدم الحسم في حماية أمن الأراضي الأميركية من التهديد الصيني، فيما وجد كثير من السياسيين والإعلاميين الأميركيين في المنطاد الصيني رمزًا لزحف الصين إلى مجال قريب بشكل كاف لتشكيل تهديد مباشر لأمن الولايات المتحدة، أي أن المنطاد قام بدور المحرك الظاهر والملموس لكي يكون التهديد الصيني قريبًا بدرجة من الممكن أن تُحدث تحولًا في الإدراك الجمعي للأميركيين، والذي كان يعتبر أن الصين تهديدًا بعيدًا.

وعلى الجانب الصيني، ورغم أن بكين قد توعدت بالرد على الجهات التي شاركت في إنزال المنطاد، فمن المرجح ألا يتخطى الرد الصيني حدود الدبلوماسية أو الجوانب الاقتصادية، وألا يشمل تحركات ذات طابع عسكري ضد طائرات التجسس الأميركية المنتشرة في بحر الصين الجنوبي، أو ضد السفن الحربية الأميركية المبحرة في خليج تايوان.

وبشكل عام، تكشف أزمة المنطاد عن عدد من الدلالات المحتملة لمسارات العلاقات بين بكين وواشنطن، من بينها: تزايد أعمال التجسس المحتملة، واستمرار توتر العلاقات الأميركية - الصينية، والذي قد ينعكس بدوره على العالم، وتغذية اتجاه كل منهما لنسج أكبر قدر ممكن من التحالفات الاستراتيجية مع القوى الدولية الأخرى، وغيرها.

ومع ذلك، فإن مسارات العلاقات بين الدولتين لن تخرج عن إبقاء واشنطن على قنوات اتصال مفتوحة مع بكين لتحقيق انفراجة في أزمة المنطاد، وخفض الصراع معها بعد عامين من التوترات بشأن المنافسة التقنية، والأمن السيبراني، وتحركات كلتيهما نحو روسيا وتايوان، مع استبعاد حدوث أي تصعيد أو صدام مباشر بين البلدين في ظل تشابك العلاقات وتعقدها بينهما وحاجة كل منهما إلى الآخر.

عوض البريكي*

*رئيس قطاع تريندز غلوبال- مركز تريندز للبحوث والاستشارات